أخصائيي المكتبات : التعريف بهم ودورهم في نهضة وتطور عجلة البحث العلمي
إن العلم والتعلم بصفة عامة من أهم القضايا التي يجب الإهتمام بها لما لها من دور رئيسي وأساسي في تقدم ونهضة الشعوب . والتعلم له الكثير من الأدوات التي لاغنى عنها كي يتعلم الفرد تعلما صحيحا ، ومن أهم تلك الأدوات هي المكتبة وأخصائي المكتبات ؛ وذلك رغم انتشار الإنترنت حاليا إلا أنه لا يمكن الإستغناء عنهم .
والشبكة العنكبوتية (الانترنت) من أهم وسائل التعلم حاليا إلا أنه يعاب عليها الكثير من العيوب حيث أن المعلومات التي بها ليست بنفس درجة التوثيق والدقة والصحة التي توجد في مختلف أنواع الأوعية الفكرية "1" وأيضا إضافة إلى ذلك الأخطار الصحية التي تنتج عن كثرة استخدام الكمبيوتر والجلوس أمامه ، وكذلك أن القراءة الورقية لها متعة خاصة بها لا تتوافر في القراءة والتعلم عن طريق الإنترنت .
وأود أن أوضح نقطة رئيسية وهي أنه مهما بلغ التطور العلمي والتكنولوجي مداه فلا يمكن الإستغناء عن المكتبة وأخصائي المكتبات .
والرسول الكريم (ص) "2" والقرآن الكريم بينا فضل العالم على الجاهل وأهمية العلم والتعلم والدليل على ذلك قوله تعالى "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" "3" ، "إنما يخشى الله من عباده العلمؤا" "4" وأيضا أول آية نزلت في القرآن الكريم على الرسول (ص) قول الله تعالى في كتابه العزيز "اقرأ باسم ربك الذي خلق "1" خلق الإنسان من علق "2" اقرأ وربك الأكرم "3" الذي علّم بالقلم "4" علّم الإنسان ما لم يعلم "5" " "5" وذلك إشارة إلي أهمية العلم والتعلم وأدواته ، وأيضا قوله تعالى " ن "1" والقلم وما يسطرون "2" " "6" ومن مواقف الرسول الكريم التي تدلل على أهمية العلم والتعلم أنه جعل فداء أسرى قريش في غزوة بدر أن يعلّم الواحد من المشركين 10 من المسلمين القراءة والكتابة .
سأتحدث في هذا المقال عن فئة معينة من الناس وهي مهمة جدا ولها أهمية قصوى في المجتمع وهي فئة أخصائيين المكتبات ، ولكنها – للأسف الشديد – مهملة جدا وغير مهتم بها وذلك لعدم تقدير قيمة العلم والقراءة وأدواتهم المختلفة من مكتبة وأخصائي مكتبة .
بداية ذي بدء ، عند بدء الحديث عن هذه الفئة لابد أولا من التعريف بقسم المكتبات والمعلومات وأخصائي المكتبات والمعلومات ثم يلي ذلك التفريق بين لفظة "أمين مكتبة" ولفظة "أخصائي مكتبات ومعلومات" ومفهوم المجتمع عنأخصائي مسئول المكتبة (أخصائي المكتبات) ثم بعد ذلك مواصفات أخصائي المكتبات والمعلومات الناجح وأخيرا دور وأهمية أخصائي المكتبات في تطور عجلة البحث العلمي .
أولا : التعريف بقسم المكتبات والمعلومات وأخصائي المكتبات والمعلومات :
قسم المكتبات والمعلومات هو قسم أكاديمي يوجد في كليات الآداب المختلفة ، وهو غير موجود في كل جامعات مصر حيث أنه يوجد في عدد قليل من جامعات مصر أشهرها جامعة القاهرة وعين شمس والإسكندرية وطنطا والمنوفية والمنيا .
ويدرس هذا القسم دراسة أكاديمية 4 سنوات يتم خلالها تدريس مختلف المواد الأكاديمية التي تؤهل الشخص الملتحق بهذا القسم العظيم أن يكون أخصائي مكتبات ناجح وماهر ؛ ومن أهم المواد التي تدرّس في القسم والتي لاغنى عنها لأي أخصائي مكتبات أن يدرسها دراسة جيدة هي مادة التصنيف العشري "7" ومادة الفهرسة الوصفية "8" وهم أساس علم المكتبات والمعلومات .
ويدرس هذا القسم كيفية تنظيم مختلف أنواع الأوعية الفكرية على الرف بطريقة علمية ممنهجة لتسهّل على أخصائي المكتبات والمعلومات استرجاعها في سهولة ويسر وسرعة شديدة وأيضا كيفية البحث في الأنواع المختلفة للأوعية الفكرية مما يسهل على أخصائي المكتبات والمعلومات استخراج المعلومات المطلوبة منه من خلالها بسهولة ويسر وفي أسرع وقت ممكن وذلك أيضا لتسهيل ومساعدة الباحث على أداء بحثه بنجاح .
خريج هذا القسم حاليا يسمّى "أخصائي مكتبات ومعلومات " وليس "أمين مكتبة" كما كان سابقا لأن هناك فرق بين تلك اللفظتين .
أخصائي المكتبات والمعلومات هو شخص خريج قسم المكتبات والمعلومات ، ويقوم أخصائي المكتبات والمعلومات بالعديد من الإختصاصات والمهام حيث أنه يقوم بعمل تصنيف وفهرسة وصفية لمختلف أنواع الأوعية الفكرية ويقوم أيضا بعمل مستخلصات وتكشيف لمختلف الأوعية الفكرية وأيضا في بعض الأحيان يقوم بالإشتراك ضمن فريق عمل ترميم المخطوطات القديمة وكذلك يقوم بمساعدة الباحثين على إتمام أبحاثهم على أكمل وجه عن طريق سرعة استخراج الكتب لهم من على الرف وإلمامه بمختلف علوم المعرفة البشرية حتى ولو بصورة قشرية مبسطة وبالتالي توضيح المعلومات الغامضة في حدود علمه وأيضا معرفته بمختلف أنواع الأوعية الفكرية ومعرفة طبيعة استخدام كل وعاء فكري ومعرفة طريقة البحث فيه وبالتالي يحدد للباحث نوع الوعاء الفكري الذي يساعده على إتمام بحثه وكذلك من خلال معرفته بالإنترنت وكيفية البحث والإبحار فيه .
وأخصائي المكتبات له العديد من مجالات العمل مثل :
1-) العمل كأخصائي مكتبات ومعلومات في مكتبات المدارس .
2-) العمل كأخصائي مكتبات ومعلومات في مكتبات الجامعات .
3-) العمل كأخصائي مكتبات ومعلومات في مكتبات قصور الثقافة .
4-) العمل كأخصائي مكتبات ومعلومات في المكتبات العامة .
5-) العمل كأخصائي أرشيف في أي شركة من الشركات أو مؤسسة من المؤسسات .
6-) العمل كمفهرس ومصنّف في دور نشر الكتب .
7-) العمل في قسم ترميم المخطوطات القديمة في المكتبات الكبرى .
العمل كأخصائي مكتبات وأرشيف في دار الكتب والوثائق القومية .
ثانيا : ماهو الفرق بين لفظة "أمين مكتبة" ولفظة "أخصائي مكتبات ومعلومات"ومفهوم المجتمع عن مسئول المكتبة(أخصائي المكتبات):
خريج هذا القسم في القديم كان يطلق عليه " أمين مكتبة " لكن حاليا يطلق عليه " أخصائي مكتبات ومعلومات " ، واللفظ الأحدث هو الأصح لعدة أسباب من بينها :
1- )اللفظ الأحدث أشمل من اللفظ القديم حيث العلاقة بينهم علاقة جزء(اللفظ القديم) من كل(اللفظ الحديث)، وبمعنى أوضح ليس كل أمين مكتبة أخصائي مكتبات ومعلومات ولكن العكس صحيح .
2- اللفظ الأحدث أدق لتوصيف وظائف واختصاصات خريج القسم ؛ حيث أن لفظة أمين مكتبة تعني أنه مجرد حارس أمين على مجموعة من الكتب الموضوعة في دواليب مقفلة وهذا اختزال شديد لوظائف واختصاصات خريج القسم وأيضا نظرة ليس بها إنصاف له بل وتقلل من شأنه وأهميته ، ولكن أخصائي المكتبات له دور أكبر بكثير من أنه مجرد حارس على مجموعة من الكتب ؛ حيث أنه يقوم بالعديد من الإختصاصات والمهام كما سبق وبينت في جزء سابق من المقال .
أما عن مفهوم المجتمع عن قسم المكتبات في كليات الآداب المختلفة ومسئول المكتبة فهو – للأسف الشديد- أنه مؤسف جدا ؛ حيث يفهمون ويقولون أن قسم المكتبات من أسهل أقسام الكلية وأنه لا يحتاج إلى مذاكرة ولا بذل جهد كبير للنجاح والتميز فيه بل وصل الحال عند بعض الناس أنهم يقولون اللي بيعدي من جمب القسم وهو طالب فيه بينجح، لكن طبعا هذا مفهوم خاطئ تماما ومغلوط عن القسم فالقسم أنا لا أقول أنه صعب وأيضا هو ليس بالسهولة الفظيعة التي تعلق في ذهن الكثير من الناس وبه مواد صعبة الفهم كمادة التصنيف العشري مثلا وهي من أساسيات علم المكتبات والمعلومات وتحتاج إلى بذل مجهود كبير في المذاكرة وأيضا مادة ترميم المخطوطات العربية القديمة وكثير من المواد الأخري التي هي ليست بالسهلة جدا كما يتصور ويفهم الناس، وبصفة عامة لا يوجد أي قسم في أي كلية لا يحتاج إلى مذاكرة جادة وبذل جهد للتميز والنجاح فيه فهذا ضد طبيعة الأشياء وضد القواعد واللوائح الربانية ، وأيضا الكثير من الناس لا تعرف ما هو قسم المكتبات؟ وما هي طبيعة الدراسة فيه؟ ومن هو أخصائي المكتبات؟؟ وما هي وظائفه؟؟ وذلك يعتبر عيب كبير مننا نحن كأخصائيين مكتبات لأننا لا نقوم بالتوعية الكافية حول القسم وطبيعة دراسته وحول دور أخصائي المكتبات وطبيعة عمله.
أما عن مفهوم الناس عن مسئول المكتبة أنه مجرد حارس على مجموعة صغيرة من الكتب كما بينت سابقا وأن أي شخص غير دارس علم المكتبات والمعلومات أكاديميا يستطيع أن يقوم بعمل أخصائي المكتبات بكل سهولة ويسر بل ويتميز في هذا المجال ، ولكن طبعا هذا مفهوم مغلوط أيضا فليس من المنطقي أن يكون مثلا النجار الذي درس أصول وقواعد المهنة مثل أو يساوي في كفاءته النجار الهاوي الذي لم يدرس قواعد وأصول المهنة فكذلك مسئول المكتبة وكل المهن فالدارس غير الهاوي تماما فالدارس أكثر تميزا وأيضا كل مهنة لها فنياتها الدقيقة التي لا يعلمها الهاوي أو الغير متخصص أكاديميا وغير دارس لقواعد وأصول المهنة .
وللأسف الشديد أن كثير من الناس يفهم أن مسئول المكتبة هو شخص يحمل تعليم متوسط ولا يعون ويعرفون أن هناك قسم أكاديمي تدرّس مواده على 4 سنوات ؛ وذلك ناتج عن انه في مصر عندنا توارث أصحاب الأعمال والمصالح الحكومية إسناد أعمال المكتبة لشخص مؤهل متوسط أو أقل دون مراعاة في ذلك للتخصص ولأهمية وقيمة المكتبة ، وهذا ليس في المكتبة فقط فالجميع عندنا في مصر يعمل في أي مجال دون مراعاة للتخصص وهذا خطأ إداري كبير في الدولة لأنه إذا أسندت الدولة كل عمل إلى المتخصص فيه لتميز فيه وذلك مصداقا لنص المثل الشعبي القائل "ادي العيش لخبازينه" ، وأيضا لكنا تقدمنا بين مختلف الأمم .
ثالثا : مواصفات أخصائي المكتبات والمعلومات الناجح :
أخصائي المكتبات والمعلومات الناجح والماهر لابد وأن يتوافر فيه مجموعة من الصفات والقدرات هي :
1- أن يكون مثقف "9 " .
2- أن يجيد الكثير من اللغات الأجنبية بخلاف طبعا اللغة العربية (إن أمكن ذلك)
3- أن يكون ملّم بعلم الكمبيوتر والإنترنت وكيفية الإبحار فيه .
4- أن يكون سريع البديهة .
5- أن يكون ذكي .
6- أن يجيد فنون التعامل مع الآخرين .
7- أن يجيد فن الإدارة .
8- أن يكون ذا ضمير حي .
9- أن يكون لديه أمانة علمية .
10-أن يكون ذا أخلاق عالية .
11-أن يتمتع بطابع المرونة ورحابة الصدر ، وتنتفي منه صفة البيروقراطية .
12-أن يكون هادئ الطبع .
13-أن يكون حازما .
14- أن يكون يقظ دائما .
15- أن يكون بشوشا دائما ومهما كانت الظروف (خاصة ولو كانت ظروف خارج العمل) .
16- أن يكون صاحب رؤية وفكر .
17- أن يكون لديه القدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب .
18- أن يكون عادل .
رابعا : دور وأهمية أخصائي المكتبات في تطور عجلة البحث العلمي :
مما لايد مجالا للشك فيه أن أخصائي المكتبات له دور هام ورئيسي في دفع عجلة البحث العلمي إلى الأمام ؛ حيث أنه من أول وأهم اختصاصاته هو مساعدة الباحثين على إنتاج أبحاثهم وذلك بما يمتلكه من ثقافة عامة وإلمام بعلوم الكمبيوتر والإنترنت وكيفية الإبحار فيه وأيضا بما يمتلكه من خبرة عملية في مجال البحث في المراجع العلمية وأمهات الكتب – حيث للأسف الشديد يوجد الكثير من الباحثين ليس لديهم خبرة في البحث واستخراج المعلومة من المراجع العلمية وأمهات الكتب ويستغرق البحث منه وقت طويل جدا وفي بعض الأحيان بعد كل المجهود الكبير والعناء في البحث قد لا يصل إلى المعلومات المطلوبة بالتحديد- وبما لديه من يقظة ومعرفة عن أحدث مختلف أنواع الأوعية الفكرية الجديدة في كافة المجالات .
والدليل على ماسبق أنه في جميع الدول المتقدمة حينما يتخرج الشخص من الجامعة أو المدرسة الثانوية ويريد أن يترقي في العلم ويبحر فيه ويحصل على الدرجات العليا منه كالماجستير والدكتوراة يقولون له أول شيء لا بد من مصادقته هو الكتاب وأول شخص لابد من مصادقته والتودد إليه هو أخصائي المكتبة لأنه هو السبيل الأعظم لإمدادك بالمعلومات وأيضا لأنك ستتعامل معه بصورة شخصية بصفة مستمرة فيجب أن تتودد إليه وتصادقه حتي ولو كنت لا تطيقه ؛ وذلك لأنه إن لم يكن لديه ضمير حي وسعة صدر سيقوم بتعقيد كل الأمور في وجهك ولا يمدك بالمعلومات الصحيحة ولا تستطيع وقتها أن تفعل معه أي شيء أو تتخذ ضده أي إجراء قانوني لأنه هو الوحيد المتحكم في تنظيم وعمل المكتبة ولوائح وقوانين المكتبة وأيضا هو المتحكم في إمدادك بالمعلومات برغبته البحتة كصديق لك ؛ ولكن إن عاديته من الممكن إن لم يكن يتمتع بضمير حي وأخلاق عالية أن يقول لك على سبيل المثال الكتاب المطلوب غير موجود وهو في استعارة لمدة شهر أو المجلة المطلوبة غير موجودة وسنبعث لإحضارها وستستغرق شهر- شهر ونصف حتى تأتي أو مثلا تريد أن تصوّر جزء من رسالة ماجستير أو دكتوراة أخرى أن يقول لك ممنوع التصوير طبقا للوائح والقوانين ، وأبسط أنواع المضايقة أنه لا يدلك على نوع الوعاء الفكري الذي يساعدك على إتمام بحثك ولو كنت من أصحاب عدم المعرفة بطريقة البحث في المراجع وأمهات الكتب سوف لا يساعدك على البحث فيهم أو في البحث على الانترنت إلى آخر المضايقات التي لا مردود من تجاهك عليها وفي نفس الوقت هي قانونية فلا تستطيع أن تمسك عليه خطأ قانوني تشاكيه به .
وأود أن أشير إلى نقطة هامة أختم بها مقالي هي أنه يوجد الآن اتجاه إلى ميكنة ورقمنة المكتبات أي جعلها تعمل بالكمبيوتر ؛ حيث يتم عمل التصنيف والفهرسة الوصفية وجميع العمليات الأساسية إلكترونيا على الكمبيوتر ، وهذا شيء جيد ومتماشيا مع تطور العلم ويسهّل كثيرا الكثير من العمليات الأساسية التي تجرى على مختلف أنواع الأوعية الفكرية من تصنيف وفهرسة وصفية وتكشيف واستخلاص ....الخ ويوفّر أيضا الكثير من الوقت . إلا أنه لا يمكن الإستغناء إطلاقا عن النسخ الورقية لجميع العمليات التي تجرى على مختلف أنواع الأوعية الفكرية وذلك للكثير من الأسباب من بينها :
1- قد يقطع التيار الكهربائي بصورة فجائية وقد تكون لم تحفظ ما كتبته عليه وقتها سيتوقف حال العمل تماما بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن جهاز الكمبيوتر وأيضا ستأخذ وقت طويل حتى تعيد ما كتبته مرة أخرى .
2- قد يصاب الكمبيوتر بفيرس أو أي عطل فني يتطلب إجراء صيانة له وإنزال نسخة نظام تشغيل من جديد وبالتالي قد تفقد المعلومات المخزنة عليه إن لم تكن سجلتها علي سيديهات أو فلاشات .
3- قد يسرق الكمبيوتر وحينها ستكون كارثة كبرى وتعطيل شديد وتوقف للعمل .
4- قد يأتي من بعدك شخص أخصائي مكتبات حديث التخرج وليس لديه خبرة في التعامل مع الكمبيوتر والنظام الإلكتروني